October 30, 2007

ما بين ميلودى البيضا... و ... موبينيل الحمراء




حتى زمن قريب مضى، كان المنحلون من الفنانين يتحججون فى إسفافهم وخروجهم عن الأداب العامة بأن المشاهد يذهب إلى السينما باختياره، وأن من ينشد مشاهدة نظيفة فعليه أن يلزم بيته ويشاهد التليفزيون، وبخاصة أن الأسر المصرية تعيش بمنطق "يا نعيش سوا يا نموت سوا" ، فجميع تحركات الأسرة تكون جماعية فيكون الأطفال مشاركين لوالديهم فى جميع التحركات والنشاطات تقريبا. فكان من يريد أن يحمى براءة أطفاله وأنساته من إسفاف وفجور السينما يقبع لاجئا أمام شاشة التليفزيون لا يتحرك. حتى أهلت علينا أخيرا وبريادة "الزعيم" صاحب قنوات ميلودى بسلسلة من الإعلانات التى تتحدى الأدب وكل ما هو أخلاقى.. فمن ضرب رجل وامرأة مسنين إلى ضرب الأستاذ المدرس... ومرورا بالفاتنة صاحبة الصدر الأعظم، الذى يذكرنا بالمسطول الذى قال لطبق الجيلى (ما تخافش أنا هاخد عصير). وعندما علا صوت الجمهور بالاعتراض على هذه الصفاقات ، ردت عليهم قناة الرقيق الأبيض بتحد وقح تماما مثل هذا التحدى الوقح الذى تتبناه الحكومة - التى يعيش أصحاب هذه القناة فى أحضانها - فى التعامل مع شكاوى الشعب واعتراضاته ... تحدى على طريقة فريد شوقى عندما غنى بصوته القبيح متحديا الجمهور فى فيلم بداية ونهاية " طب ولله زمان.. زمان ولله" وأعقبها بقلم على قفا المستمع المعترض.. ذلك الإعلان الشهير بتاع "يالا يا بطل كمل مشوارك" مشوار الوقاحة والبذاءة التى لا يعلم إلا الله بماذا سيخرج علينا غدا.. أتحدث هنا عن إعلان الشاب السمج الذى يلقى نكاتا سخيفة، فيضع الجحش الذى يمثل قناة ميلودى نظارة فوق عينيه، فيرى الأخر على صورة بيضة ويقوم بفقشها وطبعا المغزى من البيضة مفهوم وواضح وصاعق ومقزز!!

لم نكد نفيق من هذه البذائة المثيرة للغثيان والترحم على ما كان يسمى ب"الأخلاق" حتى نزلت موبينيل حلبة البذاءة بإعلان التفاحة الحمراء (والمغزى من الحمراء مفهوم تماما كما المغزى من البيضة) وكأن الشركتين ما هما إلا راقصتي ستربتيز تتنافسان على خلع قطع ملابسهما الواحدة أمام الأخرى فى عرض رخيص لعوراتهما وإرضاء لذوق جمهور لا يحيا إلا بنصفه الأسفل فقط.

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }
النور19

ولا أدرى هنا هل لى حق الاعتراض أو التعجب أم لا... فنحن أمة ضائعة نعيش نفسية ما بعد الهزائم الحربية وهو ما حدث لمستوى الأخلاق أثناء الحربين العالمتين وانعكس فى أغانى جنسية صارخة لمنيرة المهدية وانتشار صالات الرقص بزعامة بديعة مصابنى... ومرة أخرة عقب هزيمة 67 وما تلاها من أفلام سينمائية منحلة وتافهة... فنحن مهزومون سياسيا داخليا وخارجيا واقتصاديا وأمنيا بكل المقاييس.
وقياسا على قول أمير الشعراء:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

إنى هنا أتسائل وأرجو أن أجد إجابة شافية لسؤالى: من منا قد "ذهب" أولا.. الأمة أم الأخلاق... هنل ضاعت الأمة لأن الأخلاق قد ضاعت أولا، أم أن الأخلاق قد انهارت لأن الأمة نفسها انهارت أولا؟